الأحد، 18 مارس 2012

مأساة إمرأة ..


مأساة إمرأة

مقدمة :


كم من إمرأة تعيش مأساة دون أن يعلم بها أحد , لأنها تضحي بسعادتها و هدوء حياتها من أجل أعز الناس لديها , ولكن هل هناك من يعترف بتضحياتها أم دائما تلاقي مصير النكران , ولن تكون نهاية كل مأساة سعادة دائما فربما تموت المرأة حزينة مظلومة , و لكن ستلاقي أجر تضحيتها عند من لا تضيع لديه كل التضحيات , أنه خالقها فأشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ..





بسم الله الرحمن الرحيم ..
الجزء الأول
نسمة فتاة جميلة متعلمة مدللة من أسرة ميسورة .. والدها الحج عبد الله من كبار التجار و من وجهاء المنطقة ..
عاشت نسمة في بيت والدها مثل الأميرة و كانت تقضي وقتها في القراءة و التطريز و الرسم ..
كانت نسمة البنت الوحيدة و الصغيرة بين أخوتها الأربعة , محمد , و صلاح , و أمجد , و سمير ..
كانت تبلغ من العمر الرابعة عشر, و كان جميع أخوتها متزوجون و لديهم أطفال ..
كانت والدتها أم محمد سيدة جميلة جدا و اجتماعية تحب المجالس النسائية و ايضا تقوم بحل مشاكل بعض النساء و هذا جعلها تبتعد عن اسرتها قليلا لانها بالغت في ذلك ..
استغل بعض الناس انشغال الزوجة و قاموا بتشجيع الحج عبد الله على الزواج من أخرى ..
**********
رد الحج عبد الله للحضور : ومن ستقبل برجل عجوز مثلي و لديه عائلة ؟!!
قال أحدهم (( وكان رجلا عاديا يعمل بالزراعة )) : أنا أزوجك ابنتي , مد يدك يا حج عبد الله فأنا أقبل بك زوجا لابنتي ..
تسبب هذا في احراج الحج عبد الله و لم يكن أمامه سوى الموافقة ...
فكر الحج عبد الله كيف يخبر زوجته , و لكنه لم يستطع أخبارها بالحقيقة .
فهداه تفكيره لخطة تضع زوجته أمام الأمر الواقع ..
**********
الحج عبد الله : عزيزتي عندي لكي مفاجأة !!!
أم محمد : ماذا هناك تبدوا متوترا ؟!!
الحج عبد الله : لا أبدا . و لكن اشتريت لكي و لابنك صلاح تذكرتي سفر للذهاب الى الحج هذا العام ..
أم محمد : شكرا لك يا عزيزي هذه مفاجأة كبيرة , ولكن لماذا لا تذهب أنت معي ؟!!
الحج عبد الله : أوه يا عزيزتي أنا مشغول جدا ولدي أعمال كثيرة , و ايضا يجب أن يكون أحدنا هنا لا يجب أن نترك الاسرة كلانا ..
أم محمد : حسنا , رغم أني أشعر بعدم ارتياح لهذه الرحلة ..
الحج عبد الله : أتركي هذا الشعور جانبا فأنتي ستذهبين الى بيت الله ستذهبين الى الأراضي المقدسة ..
*******************
 
الجزء الثاني


سافرت الزوجة مع ابنها محمد بعد أن ودعت زوجها و بقية ابناءها و ابنتها الوحيدة و هي لا تعرف أنها تودع حياتها الهادئة ..

خلال غياب الزوجة أم محمد تزوج الحج عبد الله..
و لم يستطع أحد من أولاده ثنيه عن قراره , فقد كان لا يستشير أبناءه و لا يسمح لهم بالتحدث أمامه أو مخالفته ..
و جاءت الزوجة الجديدة الى المنزل , اسمها سهير صغيرة بالسن متوسطة الجمال غير متعلمة ..
في البداية كانت سهير حزينة لم تتكيف مع وضعها الجديد بأنها اصبحت زوجة لرجل كبير في السن و لديه هذه الأسرة الكبيرة ..
نسمة رغم أنها كانت مدللة إلا أنها كانت تخاف والدها فلم تستطع ردعه عن قراره أو حتى التحدث معه بالأمر , فلم يكن بيدها سوى دموعها التي كانت تنزل بغزارة في غرفتها اثناء وحدتها ..
مرت الايام و انتهت رحلة الحج و عادت الحجة أم محمد و إبنها من الحج , فكانت صدمة كبيرة لها عندما وصلت لترى أنه هناك من حل مكانها . لقد تحول فرحها الى حزن كبير لقد تلقت صدمت عمرها !!!
حولت الحجة أم محمد ثورة غضبها الي موجة تحطيم فقد قامت بتحطيم و احراق غالبية اثاث البيت .
بعدها أصيبت الحجة بمرض القلب نتيجة صدمتها و بدأت رحلتها مع المرض ..
أمام كل هذا لم يحرك الحج ساكنا و لكنه تأثر من منظر زوجته رفيقة عمره و التي وقفت بجانبه منذ كان شابا لا يملك شيء , صعدت معه سلم الكفاح , قاست معه آلام الشقاء , لم تشتكي لم تتذمر و لكنها كانت نعم الزوجة . أبعد كل هذا يجازيها ببدأ حياة جديدة مع زوجة صغيرة .. كل هذا دار في نفس الحج و لكن ماذا يفعل و قد جرى ما جرى ..



**********




بعد أن أفاقت الحجة من صدمتها استسلمت لكي لا تخسر بقية الأسرة و يضيع منها أبناءها و تعاملت مع الزوجة الثانية كإبنتها و عاملت الحج مثل ما كانت و أفضل ..

كان الحج عادلا مع زوجتيه فلم يفرق بينهن أبدا و لم يهمل أبناءه ..
و لكن و بعد مرور ثلاثة أعوام أنجبت سهير بنتان نهلة و نجلاء ..
أنشغل الحج بمسؤلية جديدة و قام بالإتجاه ناحية الزوجة الثانية ضنن منه أنهم يحتاجونه أكثر ..
وهنا جاءت الفرصة لسهير لتستغل الحج و تزيد من ابتعاده عن أسرته , و رغم محاولات الحجة أم محمد لتنبيه الحج بتقصيره تجاههم إلا أنه لا فائدة ..
هنا بدأت المشاكل بين الزوجتين من جهة غيرة أم محمد و من جهة كذب و احتيال سهير ..
وفي كل مرة كان الحج يأخذ صف سهير , وبناء عليه صارت سهير هي الآمر الناهي في الأسرة خصوصا أن زوجات الأبناء أنحازوا بصف سهير بما أنها الأقرب للحج ..

ووسط هذه المشاكل كانت نسمة تهرب للكتب و المجلات و بتطريز المناديل خصوصا , وتكتم أهاتها و حزنها على والدتها فقد كانت الوحيدة التي وقفت بجوار و الدتها ..
***************
 الجزء الثالث


وصلت نسمة لاخر سنة بالثانوية وقبل أن تكملها تقدمت أسرة بسيطة لتخطبها لإبنها الشاب كريم و الذي يعمل مع والده في بقالة صغيرة .. و كريم لم يكمل تعليمه الابتدائي ..
وما شجعهم على هذه الخطبة هي صداقة أبو كريم القديمة من الحج عبد الله ..
وافقت نسمة بعد موافقة والدتها و تشجيعها لهذا الزواج لعله يخلصها من المشاكل التي تدور في البيت , رغم الفارق التعليمي و الإجتماعي ..
تزوجت نسمة و بدأت حياتها الزوجية هادئة سعيدة لا توجد أية مشاكل و كانت علاقتها مع زوجها تتسم بالاحترام و الود و المشاورة في الرأي رغم الفارق المادي الكبير بين بيت زوجها و أبيها ..
و قد كانت نسمة نعم الزوجة التي تقف بجانب زوجها حيث ساندته و حرمت نفسها الكثير من متع الحياة لكي توفر مستقبل امن لأولادها ..
و بعد مرور عدة أعوام أنجبت نسمة طفلين أدهم و منى , و قد زاد هذا من سعادتها , ولكن تنقلب الموازين فجأة و السبب كلام الناس حيث بدأ كريم يستمع لكلام الناس و يتأثر به ..
لقد كانوا يتحدثون بأن كريم لا يخالف كلام زوجته و أنها هي من تأمر عليه و هي المتحكم الأول و الأخير في حياته ..
و بسبب تسرع كريم و احساسه بالفارق بينه و بين نسمة بدأ يغير معاملته لها !!!
حيث كان يخالفها دائما حتى و إن كان رأيها صحيح ..
و كان يعاملها أيضا بقسوة لكي يثبت أنه الرجل في البيت و هي مجرد زوجة عليها الطاعة و تنفيذ الأوامر ..
بدأت نسمة تتضايق من معاملة كريم لها و لكنها استحملته غلى أمل أن يتغير و يعود كما كان ..
و كانت نسمة تخفي عن والدتها كل معاناتها لكي لا تزيد من مشاكلها ..
و فجأة في يوم ما قرر كريم الهجرة الى بلد اخر لكي يحسن من ظروفه ..
حاولت نسمة معه بكل الطرق باقناعه بعدم الذهاب و لكن لا فائدة لم يكن يستمع لها ..
تركها هي و أطفالها في بيت صغير مؤجر و هاجر هو !!! ..
أصبحت نسمة وحيدة هي و أطفالها لا أحد يعيلها , حتى والدها الحج عبد الله رغم أن منزله قريبا من منزلها و لكنه لم يساعدها أو حتى يزرها و يرى كيف حالها , لأن سهير زوجته الثانية قد أحكمت عليه السيطرة ..
سهير تعمل الضيافات و الحفلات و تقوم بالتبذير و نسمة تمر عليها أوقات لا تجد ما تقتات به هي و أطفالها ..
أخوتها مشغولين بأسرهم و بجمع المال و صرفه ..
لم يكلفوا نفسهم حتى السؤال ..
إلا و الدتها هي من وقف بجوارها خصوصا بعد أن جعلها الحج تعيش بجناح لحالها في المنزل و بتحديد مبلغ مالي مصروف لها و لم يعد يمر عليها إلا بين الفينة و الأخرى ..
رغم أن مال الحجة أم محمد كان أغلبه يذهب للدواء و لكنها كانت تساعد ابنتها و تخبرها أن هذا والدها يرسله لها ..
توفت الحجة أم محمد و فقدت نسمة السند الوحيد في حياتها , وهنا بدأت معاناتها الحقيقية ..
غاب زوجها لمدة ثلاث سنين و لم يكن يرسل لها أي مبلغ من المال , فلم يكن أمامها إلا أن تعتمد على نفسها ..
قامت نسمة بجمع الأطفال و تعليمهم القراءة و الكتابة , و أيضا تعلمت حرفة الخياطة الى جانب التطريز الذي كانت تجيده ..




*******************
 
الجزء الرابع


عاد كريم من الغربة و لديه مال كثير فرحت نسمة لعودته و ضنت أن الحياة بدأت تبتسم لها ..
و لكن كريم عاد يعاملها بقسوة أكثر مما مضى حتى أنه بدأ يفرض عليها الأوامر و إيضا بدأ يغير تربيتها لأولادها وبدأ يرسم لهم المستقبل دون تدخلها أو حتى إستشارتها بالأمر ..
هنا لم تستطع نسمة السكوت أكثر فبدأت بالوقوف أما زوجها و إفهامه الخطا الذي سيوقعهم به و لكن باءت محاولتها بالفشل , حاولت اللجوء الى والدها لعله يقف بجانبها , لكن دون فائدة رد عليها والدها :
هم أولاده و لا أستطيع التدخل ..
حاولت أن تعود لبيت والدها بعد أن فشلت كل المحاولات ..
ذهبت لبيت والدها بوقت لم يكن موجود و طلبت مفتاح جناح والدتها لكن قابلتها سهير زوجة والدا و قالت لها :
أسفه لا أستطيع إعطائك المفتاح ووالدك غير موجود اذهبي ثم عودي لحين عودت والدك ..
حتى لم تقل لها تفضلي البيت بيت والدك انتظري هنا حتى يعود والدك !!!
عادت نسمة لبيت زوجها تجر وراءها أذيال الذل و الهوان و بهذا زاد زوجها كريم من غطرسته ..
وكلما مرت الأيام ابتعد عنها أولادها و كل هذا بسبب زوجها ..
فكر الزوج كريم بنقل أسرته الى حيث كان مغترب ..
وافقت نسمة بدون أي مقاومة لانه ليس لديها من يقف بجانبها و لم تستطع ترك أبناءها رغم كل ما يحدث معها لم تستسلم ..
ذهبت نسمة وودعت والدها و قد كان الوداع الأخير حيث مات والدها بعد سنتين من سفرها ..
و قد حرمها إخوتها من حقوق الورث بحجة أنها أمرأة و سوف يشاركهم في ورثهم وممتلكات والدهم رجل غريب ..
عاشت نسمة مع أسرتها في بلاد غريبة و لكن كانت مواساتها الوحيدة هي وجودها بجوار أولادها منى و أدهم ..
كبر الأولاد و هنا أصطدمت أفكارهم مع أفكار والده و الذي كان متعود على السيطرة و فرض رأيه دون استشارة أحد ..
ولكن نسمة في كل مرة عندما يعود لها أولادها و يشتكون من والدهم كانت تدافع عنه و تقول :
يجب عليكم طاعته فهو والدكم و طاعته واجبه ..




**************


استمرت الحياة بهذا الشكل حتى وقع كريم في مرض خطير ووقفت نسمة بجواره و سهرت الليل لراحته ..
فشعر كريم بغلطته أمام زوجته المطيعة نسمة و طلب منها المسامحة ..
و أخبرها انه كان يتصرف من هذا القبيل بسبب شعوره بالفارق التعليمي و الإجتماعي بينهم فكان يعاملها بهذه الطريقة خوفا من كلام الناس و ليشعر برجولته أمام الجميع ..
ولكن نسمة سامحته ودعت له لأن قلبها كان طيب و كان يملؤه الأمل ..
وهنا سمع الأولاد كل ما دار بين والديهم من حوار فركضوا مسرعين وعيونهم تملؤها الدموع ليقبلوا رأس أمهم و يديها ..




*********************


تم بحمد الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق